محمود جبريل: يجب ان تكون علاقات ليبيا متكافئة ومتوازنة مع جميع الدول انطلاقا من مصلحتها

أخبار العالم العربي

تحميل الفيديو
انسخ الرابطhttps://rtarabic.com/prg/telecast/658032/

في لقاء مع برنامج "حديث اليوم " تطرق محمود جبريل رئيس الحكومة الليبية المؤقتة الى الاوضاع الراهنة في ليبيا والمشاكل التي تواجه مسيرة البلاد نحو اقامة مجتمع ديمقراطي وصيانة وحدة التراب الوطني. ونورد أدناه نص الحديث:

س - محمود جبريل رئيس الحكومة الليبية المؤقتة التي قادت الى انتصار الثورة. هكذا توصفون بأنكم كنتم تديرون حكومة أدت دورها في أن تنتصر الثورة، وأن تتحول ليبيا إلى بلدٍ ديمقراطي. وشاركتم بالانتخابات بصفتكم رئيساً للتحالف الوطني، وحصلتم على أصوات كبيرة نسبياً . بل أنه كان من غير المتوقع أن تفوزوا بهذا العدد  من الاصوات ، ولكنكم لم تصبحوا رئيساً للحكومة الليبية، لماذا؟

- لأن قانون الانتخابات تمت صياغته بطريقة معيبة. بحيث أنه لا يمكن أن يحدث تطابق ما بين الصوت الشعبي وما يحدث داخل البرلمان، والتمثيل داخل المؤتمر. تحالف القوى الوطنية حصل على 933 ألف صوت، أي ما يقارب المليون. وما يقارب نسبة 63% من أصوات الناخبين. ولكن عندما تنظر إلى هيكلية المؤتمر الوطني، تجد أن لدى المستقلين الذين من المفروض نظرياً ألا ينتموا إلى أي كيانات سياسية 120 مقعدا. الكيانات لديها 80 مقعدا. ونحن حصلنا على نسبة 50% من نسب الكيانات، وهي أعلى نسبة. والمشكلة أيضاً، أن هذه النسبة كان يمكن أن تكون أكبر أيضاً. لكن قانون الانتخابات المؤسس على ما يعرف بالقائمة النسبية، جعل ما يتبقى من أصوات لدى كيان معين للحصول على مقعد يضاف إلى التالي في الأصوات، فيحصل على مقعد. فهناك بعض الكيانات الأخرى التي حصلت على مقاعد ليس بشكل مباشر من الناخبين، ولكن بفضل ما تبقى من أصوات التحالف، فأضيفت إليها، فحصلت على مقاعد. النتيجة النهائية أنه لم يعد هناك تطابق بين الصوت الشعبي وما حدث داخل المؤتمر. الأمر الثاني، عندما جرت الانتخابات لرئاسة الوزراء. حدثت هناك تحالفات ما بين قوى سياسية مختلفة داخل المؤتمر، هدفها الوحيد منع التحالف من ترأس هذه الحكومة. وبالتالي القضية لم تعد قضية صوت شعبي. وهذا طبعاً أحدث كثيرا من الاحباط لدى المواطنين. كثير من الناس يتسائل كيف حصل التحالف على هذه النتيجة ، وهي صوتت من أجل يحصل التحالف على القيادة! ثم وجدوا أن من يقود الحكومة، أو من يقود المؤتمر لا علاقة له بالصوت الشعبي. فالصوت الشعبي شيء، وقانون الانتخابات وما أفرزه، واللعبة السياسية وتحالفاتها داخل المؤتمر أفرزت شيئاً آخر.

س: وهذا ما يفسر بتقديراتكم تعثر الحياة السياسية في ليبيا؟ بل أن هنالك من يتحدث عن تقسيم ليبيا.

- لا اعتقد أن ليبيا ستتقسم. ليبيا لم تتقسم في أوج الاحتلال الايطالي لليبيا. اعتقد أن ليبيا ولدت موحدة، حتى لو كان النظام الذي بدأت به الدولة المستقلة كان نظاماً فدرالياً، ثم توحدت في سنة 1963، واعتقد أن ليبيا ان شاء الله ستظل موحّدة لسبب بسيط، وهو أن الأرض الموحّدة والتراب الواحد هو في وعي رجل الشارع الليبي. انها ليست قضية مفتعلة، وليست تقسيما استعماريا ورث من حصار الموجة الاستعمارية. ولكنه شيء في وعي المواطن الليبي. وربما ثورة 17 فبراير كانت أكبر اختبار، حيث أن الجبهات في المنطقة الشرقية كانت مشتعلة، وكان الثوار يلتحقون بها من الزاوية، ومن الجبل الغربي، ومن جبل نفوسة، ومن مصراته، ومن داخل طرابلس نفسها كانوا يذهبون إلى تونس ومن تونس يسافرون إلى مصر. ومن مصر يدخلون عن طريق منفذ مساعد ويلتحقون بالجبهات. ونفس الشيء عندما حدثت المواجهات في معارك مصراتة البطولية، كان الثوار من طبرق ومن درنة ومن البيضة ومن القبة ومن المرج ومن بنغازي يلتحقون بجبهة مصراتة لمقاومة كتائب القذافي. هذا هو أكبر تعبير عن هذه الوحدة. أن المصير واحد والتراب واحد، ولابد أن يكون المستقبل واحدا لأبناء لبيبا ان شاء الله.

س: والتركيبة القبلية المعقدة في ليبيا. يعني ثمة من يقول أنكم لم تحصلوا على الأصوات في المناطق التي تناصب العداء قبيلة الوفلة التي تنتمون إليها. ما مدى صحة هذه التصورات؟

- أولاً، قضية الزج بالقبلية وليس "القبيلة"... أي القبلية التي هي التعصب لمصلحة القبيلة على حساب مصلحة الوطن. أما القبيلة فهي كيان اجتماعي ضارب في أعماق التاريخ، سيظل كيانا نحترمه ونعتز به باعتباره حتى يحافظ على اللحمة الوطنية وجهود المصالحة الوطنية التي تمت مؤخراً، وكان أغلب دعاتها هم شيوخ عشائر والذين يقومون بها. وهذا حرص حقيقي على الوحدة الوطنية وعلى هذا النسيج. فالزج بقضية القبلية من أجل مكاسب سياسية يحاول بعض الاطراف إثارتها من حين لآخر، ليست في صالح هذه الأطراف نفسها. وليست في صالح وحدة الوطن، وليست في صالح المصالحة الوطنية. لا يمكن أنا أن أعمم على قبيلة ما، أن هذه القبيلة هي مع القذافي أو ضد القذافي. ففي كل قبيلة من القبائل هناك من كان مع القذافي وهناك من كان ضد القذافي. وبالتالي، مثلاً أتباع القذافي في الخارج اليوم موجودون في تونس، موجودون في مصر، موجودون في الاردن، وموجودون في مختلف دول أوروبا. يوجد في كل القبائل أتباع للقذافي. وبالتالي من الصعب أن نحصر العداء للقذافي، أو الولاء للقذافي في قبيلة واحدة. الانتفاضة قام بها الليبيون من مختلف مشارب ليبيا بغض النظر عن الانتماءات القبلية. كانت هم وطني استجاب له الليبيون من مختلف فئاتهم، ومن مختلف توجهاتهم، ومن مختلف مناطقهم، ومن مختلف قبائلهم. شارك فيها الأمازيغ، وشارك فيها الطوارق، وشارك فيها التبو، وشاركت فيها القبائل الليبية المختلفة. فبحق كانت ثورة ليبية شعبية شاملة شارك فيها جميع الليبيين.

س: تحدثتم عن الليبين المهاجرين الآن. كنتم أنتم أيضاً في سنوات سابقة مع أعداد أخرى من المعارضين تعيشون في الخارج. الآن، هنالك نزعة كما تتوفر بعض التقارير لاصدار قوانين تشبه قانون اجتثاث البعث في العراق. بمعنى أن من كان يعمل في لجان القذافي ومن كان يشغل مناصب في الحكومة الليبية في فترة العقيد القذافي يحرم من العمل السياسي وبل ربما يلاحق. ما رأيكم بهذا التوجه؟

- سيدي الفاضل، مشروع القانون المطروح، هو مطروح لأسباب سياسية وليس لأسباب وطنية للأسف.

س: ربما أنتم أحد المستهدفين بهذا القانون؟!

- أنا بالعكس، أن أي شيء في صالح الوطن أنا جاهز له. ما تم في العراق كان اجتثاثا لأسباب أيديولوجية. لكن مشروع القانون الليبي هو أكثر ضراوة وأكثر إقصاءً مما طرح في العراق. لأن الاقصاء يشمل كل من عمل في الدولة الليبية. وهناك مغالطة شديدة وقع فيها القائمون على صياغة هذا القانون، حيث لم تكن هناك تفرقة بين النظام وبين الدولة. قد تعمل في الدولة، ولكن لا علاقة لك بالنظام. وقد تكون من أتباع النظام ولا علاقة لك بالدولة. يعني هناك بعض الناس لم يتسلموا أية مناصب في عهد القذافي، ولكنهم كانوا يكلفون بأعمال تصفية جسدية للمعارضين في الخارج ولم يتسلموا أي منصب على الإطلاق. وحسب القانون الجديد، هذا الشخص لا يعزل! فكان هناك خلط واضح ما بين مفهوم الدولة، ومفهوم النظام. الشيء الآخر، إذا كانت الثورة التي حلمنا بها كليبيين، قامت لإقامة دولة العدالة، ودولة الحقوق المتساوية والمواطنة المتساوية. وفي هذا القانون عندما نقول "كل"، كلمة "كل" تعني إلغاء فكرة العدالة. عندما نقول "كل" هي مساواة في الظلم وليست عدالة كما نقول. المساواة في الظلم هي ظلم وهي منافية للعدالة. لكن، قد يكون بعض الناس لم يتسلموا أيه مناصب. في القطاع الخاص، ناس عاديون لهم أعمالهم الخاصة، قد يكونوا أكثر التزاماً باطروحات القذافي وبكتابه الأخضر من الذين يعملون في الدولة. لكننا نأخذ الذين يعملون في الدولة على مختلف مناصبهم، من رئاسة الوزراء إلى مدير دائرة في وزارة الخارجية، إلى قائم بأعمال كان في السفارة كذا.. هؤلاء هم موظفون في دولة ريعية تقوم على النفط وليس هناك أي مصدر آخر، ولايوجد اقتصاد يوفر فرص عمل. الناس كان مصدر رزقهم الوحيد هي الدولة. فلو أخذت هذه المناصب التي هي 36 فئة من فئات المناصب الوظيفية في الدولة الليبية، وتقوم بعملية حسابية من بداية نظام القذافي حتى الآن، ستجد نفسك أمام أعداد خرافية من الليبين الذين يجب أن يتنحوا جانباً، لا لشيء إلا لكونهم يعملون في الدولة الليبية. ولكن لو قلنا "النظام الليبي" أو "نظام القذافي" الذي يقوم على البطش، ويقوم على التسلط، وقام على التعذيب، وقام على انتهاك حقوق الانسان. هذا النظام، بهذه الممارسات السلوكية، كل من يمتهن هذه الممارسات، سواء كان في عهد القذافي منذ سنة 69، سواءً الآن، وسواءً مستقبلاً. هذا إذا كان حرصنا حقيقةً على الثورة وليست تصفية حسابات شخصية، أو ازاحة هذا الشخص أو ذاك الشخص. هذا حرصنا على الثورة وهو حرص محمود ومطلوب. لأن العزل السياسي وجد بعد كل الثورات. لكن هذا حرص حقيقي على الثورة. فهو اقصاء للسلوك وليس للفرد. هذا السلوك متى تحقق في أي منصب كان، وفي أي وقتٍ كان يجب أن يعزل، في الماضي، الآن، أو مستقبلاً. إذا كان هناك حرص على الثورة فعلاً. ولكن إن كان الحرص هو أن أقصي هذا الشخص تحديداً، تصبح القضية ليست حفاظا على الثورة أو الحرص على الثورة. هذا أمر. والأمر الآخر، العزل من ماذا؟ نحن نتحدث عن عازل ومعزول. العازل هو المؤتمر الوطني وفوّض هذه اللجنة التي ستشكل أو تصيغ هذا القانون. المعزولون هم هذه الـ 36 فئة وكل من تسلم مناصب في هذه الفئات. نعزلهم من ماذا؟ شكل الثورة والنموذج الجديد لم يتبين بعد. فإذا كان النموذج الجديد لاسمح الله، سيقوم على انتهاكات حقوق الانسان، وسيقوم على الاقصاء، وسيقوم على القتل، وسيقوم على التعذيب، فربما كثير من أتباع النظام السابق لايجب أن يعزلوا، لأنهم سيكونوا مناسبين لهذا النوع من النظام. لكن إذا كان النموذج الجديد لهذه الثورة، هي الثورة التي تقيم الحقوق المتساوية، وتعطي الليبيين حقوقهم التي سلبت منهم على مدى 42 عاماً. فإذاً، نبحث عن السلوكيات التي تتفق مع هذا النموذج الجديد وما عداها يعزل، سواء الآن أو في الماضي أو مستقبلاً. فهناك كثير من الملابسات حول هذا القانون. انا أتمنى الحقيقة، أولاً، لا أحد فوق القانون. ولا أحد يستطيع أن يقف ضد مصلحة الوطن وضد مصلحة بلاده، إذا كان وطنياً حقاً. هذا الأمر يجب أن يكون قاعدة. ما هو في مصلحة ليبيا يجب أن نلتزم به جميعاً. لكن يجب أن نحدد ما هي مصلحة ليبيا وما هو النموذج الجديد، حتى نعرف من ليس له علاقة بهذا النموذج فيعزل. الثورة وليدة، والليبيون انفقوا على شيء واحد هو "اسقاط النظام"، أما ما عدا ذلك فتجد رؤى مختلفة. كلُ يرى أنه في النموذج الجديد يجب أن يلتزم الجميع بكذا وكذا وكذا... نحن في تحالف القوى الوطنية مثلاً، ندعو إلى الدولة المدنية القائمة على احترام حقوق الانسان، دولة مؤسسات، دولة قانون، ولا اقصاء لأي أحد، التنمية المكنية في جميع أنحاء ليبيا، وأيضاً ندعو إلى وحدة الوطن، وندعو إلى سيادة الوطن. هذه ثوابت التحالف. هناك آخرون يدعون إلى عكس ذلك. وبالتالي لم يتفق الليبيون لا على شكل الدستور ولا على مضمونه. لم نصل إلى هذه المرحلة بعد. فيظل السؤال، نعزل فلان من ماذا؟

س: واضح أن القوى صاحبة القرار في ليبيا الآن، هي قوى الاسلام السياسي. هل تعتقدون أن هذه القوى قادرة على أن تقيم تجربة مدنية في ليبيا؟ وعلى خلفية الكثير من المعضلات التاريخية، ومن التشظي الاجتماعي الذي حصل خلال حقبة العقيد القذافي وما بعده، باعتبار أن ليبيا الآن منقسمة على نفسها. فجزء من الليبين يحاربون بعضهم الآخر. وهنالك انفلات أمني إلى حدٍ بعيد.

-أولاً، قد اختلف معك في الرأي. فمن يتخذ القرار الأول في ليبيا هو ليست أي قوى سياسية معينة بل هو الشارع الليبي. وقد أثبت ذلك في 17 فبراير2011 ، وأثبت ذلك في 14 فبراير 2012، ثم أثبت ذلك مرة أخرى في 17 فبراير 2013. وأثبته في شكل أكبر في 7 يوليو 2012. ان من يتخذ القرار الحقيقي في ليبيا الآن هو الشارع الليبي الذي يحسم الأمور عندما نرى أن الأمور وصلت إلى نفق مسدود. وأنا أدعي، وقد كررت هذا مراراً وتكراراً، أن النخب كما هي في بقية دول الربيع العربي، لم ترتق بعد إلى مستوى الشارع وطموحات الشارع. وبالتالي الشارع أكثر تقدماً من النخب. وأنا أتمنى أن هذه النخب تستمع إلى نبض الشارع فعلاً. حتى تبني توجهاتها وفكرها وبرامجها وطروحاتها بما يتفق وأحلام هؤلاء الشباب. هذا الأمر الأول. قضية هذا الانفلات الأمني هو أمر متوقع في دولة كان القذافي قد فتت جيشها تماماً. وحوله إلى كتائب أمنية. الكتائب الأمنية انتهت بنهاية القذافي، فأصبحت دولة من دون مؤسسة عسكرية. ليست هناك مؤسسة أمنية. ليس هناك قضاء فاعل. وليست هناك إدارة بالمعنى الحقيقي. المؤسسات الأربع التي في حالة توفرها، نستطيع أن نعتبر أن الدولة قد تواجدت على الأرض. فنحن إلى درجة كبيرة نعتبر مجتمعا من دون دولة، أو ان الدولة لازالت في إطار التشكل ولازالت وليداً يحبو. القضية أن الليبيين يختلفون ويتقاتلون ويختصمون، أنا دائماً أذكر نفسي وأذكر زملائي أن القذافي كان في عملية حرث وزرع على مدى 42 عاماً . وللأسف الآن وقت الحصاد. ثقافة القذافي بدأت تتجلى وبدأت تظهر في أسوأ صورها، من خلال الحقد والكراهية وعدم الثقة والشك المتبادل والدعوات إلى الاقصاء المتبادل. ربما يحمل الشخص حلماً أو أمنية، أنه كما وحدنا القذافي في عدائنا له بأن نطيح به، مهما كان الثمن من هذه الآلاف المؤلفة من مواكب الشهداء التي بذلت في سبيل هذه الأمنية الغالية. كنت أتمنى أن أطفالنا ومستقبل هذه البلاد يكون عاملاً أكبر في توحيدنا حتى نعوض حرمان الاثنين وأربعين عاماً الماضيين. ولكن للأسف يبدو أن عذابات الماضي وجروحها ورغبات الانتقام لازالت هي سيد الموقف. وأتمنى أن تكون مرحلة مؤقتة تختفي سريعاً حتى ننتبه إلى ما هو أهم. ولدينا حقيقة من الموارد ما يعطينا الأمل في أن نقيم نموذجاً تنموياً يحتذى به في المنطقة.

س: سبق وأن اتهمتم دولة خليجية بأنها هي التي مولت بعض القوى السياسية في ليبيا من أجل أن تصل بأعداد لا تتناسب وحجمها في ليبيا إلى البرلمان. هل لا تزالون تعتقدون أن العامل الخارجي لعب دوراً في الانتخابات.

- هذا أمر طبيعي في عالم السياسية، حتى في وجود حكومات ومؤسسات الدولة، أن الدول الأخرى تحاول أن تستقطب هذا الطرف وأن تمول هذا الطرف ضد ذلك الطرف بما يخدم مصالحها. فما بالك بدولة موجودة نظرياً ولكنها ليست موجودة على الأرض، ولكنها في إطار التشكل. ليبيا بعد الثورة كانت في حالة سيولة. وفي حالة السيولة كلٌ يحاول أن يشكلها بما يخدم مصالحه من الأطراف الخارجية. العيب ليس في الأطراف الخارجية، العيب فينا نحن كليبيين أن نقبل ذلك. ليبيا دولة مفصلية لديها موارد، موقعها دائماً أقول عنه بأنه موقع عبقري الذي هو مكان مفصلي ما بين أوروبا وأفريقيا، وما بين الشرق والغرب. بهذه الموارد وبهذه الامكانيات الطبيعية في هذا الساحل الممتد، وهذه الصحارى، وهذه الطاقة البديلة المحتملة، وهذه الامكانيات السياحية. يعني ثروة خرافية أعطانا إياها الله سبحانه وتعالى بفضله. كل ما نحتاجه هو أن ننظر إلى أنفسنا ونقترب من بعضنا أكثر، وأن يجرى حوار وطني حقيقي من أجل مصلحة هذه الأجيال القادمة. لأنه إن لم نبدأ بأنفسنا "إن الله لايغيّر ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم". فالبداية تكون في الداخل. أنا أذكر يوم 20 أغسطس 2011، حين اصدرت بيانا في قناة تلفزيونية موجهة لليبيين، وكنت آنذاك رئيساً للمكتب التنفيذي، قلت كما قال النبي (ص): "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" الذي هو جهاد النفس. الامتحان الحقيقي لليبيين هو الانتصار على الذات. الانتصار على هذه الضغائن وعلى رغبات الانتقام، وعلى الدعوات الجهوية والطائفية ومحاولة اقصاء الآخر. ربما لنخرج من هذا الموقف وهذه النخب القديمة بما فيها محمود جبريل.بأن نأخذ قراراً جماعياً يقضي بأن نترك الأمر للشباب بأنه لن يتسلم أي منصب في الدولة الليبية القادمة أي أحد في سن فوق الخمسة وأربعين عاماً. هذا انحياز حقيقي لثورة الشباب، لأن الشباب هم الذين قاموا بالثورة. بدلاً من ايجاد المبررات ومن قام بكذا ومن عمل كذا.. يعني ان هذه المبررات أحياناً تكون مفصلة تفصيل لتناسب مقاس هذا الشخص أو ذاك.

س: على ذكر الاجتثاث، ذكر أنكم سافرتم إلى بغداد، وأبلغتم رئيس الوزراء المالكي أن القذافي كان يموّل حركة بعثية ضد المالكي. ما مدى صحة هذا الخبر؟

- هذه ياسيدي أكذوبة كبرى وافتراء. وأنا تابعت هذا الأمر واتصلت بالاستاذ خالد الذي هو مندوب الشرق الأوسط في القاهرة، وأخبرني أن مصدره هو أحد الأخوة في المجلس الوطني الانتقالي. وقد حاولت جاهداً أن أعرف المصدر فرفض الافصاح. فكان مخيّراً بين أمرين، إما أن يعطيني نفس المساحة على الشرق الأوسط لتكذيب هذا الخبر جملةً وتفصيلاً، أو أن أقاضيه وأرفع دعوى في القضاء. فهو اختار الأمر الأول، وأخذت مساحةً في الشرق الأوسط. الزيارة لبغداد كانت لسبب واحد، ويعلم هذا الأمر السيد مصطفى عبدالجليل تماماً. وهو حيٌّ يرزق، ربنا يطيل في عمره. كان الهدف منها هو أن هناك بعض الأخوة الليبيين المعتقلين في السجون العراقية. فحدث حوار مع الاستاذ هوشيار زيباري، وهو صديق شخصي. وحدث لقاء مع نوري المالكي. وفي حضور هوشيار زيباري والأخ عبدالحميد فرحات مدير الإدارة العربية ومساعدي الذي كان معي في نفس الرحلة. يعني نحن كنّا ثلاثة ليبيين لم نفترق لحظة واحدة. الزيارة دامت 6 ساعات فقط. منذ وصولنا إلى أرض بغداد ووطئنا المطار حتى ركوبنا الطيارة لم نفترق لحظة واحدة نحن الثلاثة أشخاص. وهم أحياء، وقد حضروا اللقاء. واللقاء لم يكن في أي شيء على الإطلاق إلا هذا الموضوع. وللأسف يخرج بعض الأخوة بشائعات، لأن هناك من له مصلحة في ايجاد هوة وايجاد شقاق بين محمود جبريل والتيارات الاسلامية. من هو صاحب هذه المصلحة الله أعلم! لأنه افتراء بعد الآخر وكذبة بعد الأخرى. محمود جبريل يسافر إلى مؤتمر في الخارج ويتحدث عن الحوار الوطني، ينقل الأمر في الداخل أن محمود جبريل يستعدي الغرب ضد التيارات الاسلامية. محمود جبريل يسافر إلى العراق من أجل محاولة اطلاق سراح الأخوة من التيارات الاسلامية الذين هم في السجون العراقية، يسوّق الأمر للشرق الأوسط أن محمود جبريل يبلّغ المالكي بأن البعث والخ. يعني ليس لدي ما أقول إلا حسبي الله ونعم الوكيل.

س: اليوم نقلت الوكالات عن محامي رئيس وزراء ليبيا الأسبق محمودي البغدادي أنه يتعرض للتعذيب. باختصار شديد، ماهو موقفكم من تقارير من هذا النوع؟ هل يمكن أن التعذيب يعود إلى ليبيا الديمقراطية؟

- أنا ما أعرفه جيداً هو أن الاستاذ صلاح الميرغني رجل حقوقي ومن نشطاء حقوق الانسان، وهو يتولى حقيبة العدل الآن. وأنا مطمئن جداً لهذا الرجل. توجهاته توجهات وطنية حقيقية. مدافع حقيقي وصلب عن حقوق الانسان. وقد وضع نصب عينه أن كل الممارسات التي تمت أو التي تتم، سيحاربها قانونياً وسيحاربها بالقول والفعل. وأنا أثق تماماً في هذا الرجل. كانت هناك ممارسات لاشك. أرجو أن هذه الممارسات تتوقف. لأنها لا تتفق اطلاقاً مع الصورة التي رسمت لهذه الثورة أو مع حجم التضحيات التي بذلها الشهداء على الأرض.

س: وبودي أخيراً دكتور لو أسمع منكم حصيلة الاتصالات التي أجريتموها في موسكو. التقيتم بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وبوزير الخارجية سيرغي لافروف. وربما أنكم اطلعتم على موقف روسي ربما يعتبر بالنسبة لكثير من الليبيين جديداً بخصوص التطورات والتحولات الجذرية التي حصلت في البلاد.

- الزيارة لموسكو هي تلبية لدعوة من معهد العلاقات الدولية لإلقاء محاضرة في المعهد. وقد تمت لقاءات مع السيد وزير الخارجية ونائب وزير الخارجية على هامش هذا الالتزام الأكاديمي. اللقاء غير رسمي لأني لا أمثل الدولة الليبية. أنا رئيس كائن سياسي. في اللقاء تم تبادل وجهات النظر حول موقف روسيا أثناء الثورة وما يجب أن يكون عليه موقف روسيا القادم. أنا اعتقد أن هناك ثلاثة أشياء في علاقة ليبيا بروسيا. هناك أمور تحتمها ضرورات التاريخ. فقد كانت هناك علاقات تاريخية قديمة مع روسيا من أيام الاتحاد السوفيتي. ساهم في بناء الجيش الليبي مساهمة فاعلة وساهم في إقامة قاعدة صناعية في فترة من الفترات. كان نصيراً لليبيا في كثير من المنظمات الدولية ودعمها سياسياً. وهناك الضرورات الاستراتيجية، أنه ليس من مصلحة ليبيا، وأيضاً ليس من مصلحة روسيا أن تكون ليبيا مائلة على رجل واحدة. يعني الشطارة وضرورات السياسة تقوم على توازن القوى. كلما كانت كل علاقاتك بكل الدول علاقات متوازنة، كلما كان لديك فرصة تفاوضية أكبر مع الأطراف الأخرى. لكن عندما يكون البيض كله في سلّة واحدة، فأنت تصبح رهينة لعلاقاتك مع دولة أو دولتين أو ثلاثة دول. هذه يسموها (dependency) أو الاعتمادية، وهذا شيء خطر في السياسة الخارجية. ما حدث في أثناء الثورة الليبية، روسيا أخذت موقفا يمكن الحديث فيه والتفاوض حوله. جنوب أفريقيا أخذت نفس الموقف، الصين أخذت موقفا مشابها. هذه أمور تحدث قد يكون عن عدم إدراك لطبيعة هذه الثورة. قد تكون الحسابات خاطئة، لكن هذه أشياء لا أستطيع أن أضحي من أجلها بعلاقات اقتصادية قائمة، وبعلاقات مستقبلية تستدعي أن تكون علاقاتي متوازنة مع جميع الدول حفاظاً على استقلالية القرار الليبي. لأنه لو ان القرار الليبي أصبح رهينة لعلاقتي بدولةٍ ما، أو دولتين أو ثلاثة، لن يحتفظ ذلك القرار باستقلاليته. فلكي أحافظ على استقلالية هذا القرار، لابد أن تكون علاقاتي متكافئة ومتوازنة مع جميع الأطراف. قضية العلاقات الاقتصادية التي كانت قائمة والمشاريع. هذه مشاريع وقِعَت عقودها لابد أن يبت في أمرها، ولابد أن تستكمل. وأنا دعوت اليوم السيد وزير الخارجية، حقيقة نحن ننتظر ونتوقع أكثر من روسيا. يعني حتى لو من منظور أن الليبيين يقتنعون بأن الموقف الروسي رجع الى موقف الصديق والحامي والخ. لكن لو أن موقف روسيا الذي قابل الثورة وخلال الثورة هو نفسه الموقف الروسي الآن، هذا سيثير الكثير من علامات الاستفهام لدى الليبيين. الأمر الأخير في هذا الشأن، أن علاقات الدول لا تبنى على مواقف محددة، بل في إطارها الاستراتيجي العام، المنطقة إلى أين تتجه، الاحتياجات التنموية إلى أين تتجه، الموقف التفاوضي على الأرض، مفهوم السيادة كيف أحميه، هذه الأمور أنا أعتبرها أسئلة مفصلية، أسئلة حاكمة في تحديد العلاقة بين هذا الطرف أو ذاك. أما من ساندنا في أثناء الثورة، فذلك أمر لايرد بأننا نعطيه مجرد مشروعات. لأن المشروعات يجب أن تقوم على أسس الجدوى الاقتصادية، مدى فائدة المشروع للوطن، فنيّاً يجب أن يكون الأفضل، ومن ناحية السعر يجب أن يكون الأفضل. لكن الموقف السياسي، قد أقوم بموقف سياسي مقابل كأن أصوت معك في مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو الجمعية العامة أو في موقف معين أو أصوت معك في مجلس حقوق الانسان. هذه مواقف سياسية. لكن عندما تأتي للعملية التنموية، العملية التنموية تحكمها ثلاثة اعتبارات رئيسية. مدى جدوى المشروع، الكفائة الفنية في انجازه من خلال العرض المقدم، والسعر المقدم مقارنة بالأسعار الأخرى. عندما تتحقق هذه الأمور الثلاث، أبحث عن الشركة أياً كانت جنسيتها سواء كانت من روسيا أو من أمريكا أو من فرنسا أو غيرها. لا أستطيع أن أنكر أيضاً أنه حتى أثناء الانتفاضة كانت كثير من أصولنا المالية مجمّدة في الدول. وكنا في شبه حالة استجداء، نريد السلاح ونريد الدواء ونريد الغذاء.. بعض الدول لديها أرصدتنا وكانت تساومنا في قرار مجلس الأمن. يقول مثلاً أنه يمكن أن يفرج عن مبلغ ما شريطة أن نشتري بهذا المال سلعاً من عنده. يعني أنه يفرج مخالفاً لمجلس الأمن لكنه يحقق مصلحته الذاتية. وإن قلت له افرج ولكني سآخذ السلع من مكان آخر، يرد أنه لايمكن ذلك بسبب قرار مجلس الأمن. فأحياناً السياسة تجدها مربوطة بمفهوم المصلحة ابحث عنها أينما وجدتها حاول أن تحققها. وهذا المفروض أن ينطبق على العلاقة الروسية الليبية.

موافق

هذا الموقع يستخدم ملفات تعريف الارتباط .بامكانك قراءة شروط الاستخدام لتفعيل هذه الخاصية اضغط هنا